الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (5): {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5)}{سَيَهْدِيهِمْ} سيوصلهم إلى ثواب تلك الأعمال من النعيم المقيم والفضل العظيم، وهذا كالبيان لقوله سبحانه: {فَلَن يُضِلَّ أعمالهم} [محمد: 4] أو سيثبت جل شأنه في الدنيا هدايتهم، والمراد الوعد بأن يحفظهم سبحانه ويصونهم عما يورث الضلال وحبط الأعمال، وهو كالتعليل لذلك، ويجوز أن يكون كالبيان له أيضًا.{وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} أي شأنهم، قال الطبرسي: المراد إصلاح ذلك في العقبى فلا يتكرر مع ما تقدم لأن المراد به إصلاح شأنهم في الدين والدنيا فلا تغفل..تفسير الآية رقم (6): {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)}{وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ} في موضع الحال بتقدير قد أو بدونه أو استئناف كما قال أبو البقاء، والتعريف في الآخرة. أخرج عبد بن حميد. وابن جرير عن مجاهد أنه قال: يهدي أهل الجنة إلى بيوتهم ومساكنهم وحيث قسم الله تعالى لهم منها لا يخطؤن كأنهم ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحدًا، وفي الحديث: «لأحدكم نزله في الجنة أعرف منه نزله في الدنيا» وذلك بإلهام منه عز وجل، وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل أنه قال: بلغنا أن الملك الذي كان وكل بحفظ عمل الشخص في الدنيا يمشي بين يديه في الجنة ويتبعه الشخص حتى يأتي أقصى منزل هو له فيعرفه كل شيء أعطاه الله تعالى في الجنة فإذا انتهى إلى أقصى منزله في الجنة دخل إلى منزله وأزواجه وانصرف الملك عنه.وورد في بعض الآثار أن حسناته تكون دليلًا له إلى منزله فيها، وقيل: إنه تعالى رسم على كل منزل اسم صاحبه وهو نوع من التعريف، وقيل: تعريفها تحديدها يقال: عرف الدار وأرفها أي حددها أي حددها لهم بحيث يكون لكل جنة مفرزة، وقيل: أي شرفها لهم ورفعها وعلاها على أن عرفها من الأعراف التي هي الجبال وما أشبهها، وعن ابن عباس في رواية عطاء، وروى عن مؤرج أي طيبها لهم على أنه من العرف وهو الريح الطيبة هاهنا، ومنه طعام معرف أي مطيف، وعرفت القدر طيبتها بالملح والتابل، وعن الجبائي أن التعريف في الدنيا وهو بذكر أوصافها، والمراد أنه تعالى لم يزل يمدحها لهم حتى عشقوها فاجتهدوا فيما يوصلهم إليها.وعلى هذا المراد قيل: .تفسير الآية رقم (7): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)}{لَهُمْ يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ الله} أي دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم لا على أن الكلام على تقدير مضاف بل على أن نصرة الله فيه تجوز في النسبة فنصرته سبحانه نصرة رسوله ودينه إذ هو جل شأنه وعلا المعين الناصر وغيره سبحانه المعان المنصور {يَنصُرْكُمُ} على أعدائكم ويفتح لكم {وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ} في مواطن الحرب ومواقفها أو على محجة الإسلام، والمراد يقويكم أو يوفقكم للدوام على الطاعة.وقرأ المفصل عن عاصم {وَيُثَبّتْ} مخففًا..تفسير الآية رقم (8): {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)}{والذين كَفَرُواْ فَتَعْسًا لَّهُمْ} من تعس الرجل بفتح العين تعسًا أي سقط على وجهه، وضده انتعش أي قام من سقوطه، وقال شمر. وابن شميل. وأبو الهيثم. وغيرهم: تعس بكسر العين، ويقال: تعسًا له ونكسًا على أن الأول كما قال ابن السكيت عنى السقوط على الوجه والثاني عنى السقوط على الرأس، وقال الحمصي في «حواشيه على التصريح»: تعس تعسًا أي لا انتعش من عثرته ونكسًا بضم النون وقد تفتح إما في لغة قليلة وإما اتباعًا لتعسًا، والنكس بالضم عود المرض بعد النقه، ويراد بذلك الدعاء، وكثر في الدعاء على العاثر تعسًا له، وفي الدعاء له لعًا له أي انتعاشًا وإقامة، وأنشدوا قول الأعشى يصف ناقة:وقال ثعلب. وابن السكيت أيضًا التعس الهلاك، ومنه قول مجمع بن هلال: وفي القاموس التعس الهلاك والعثار والسقوط والشر والبعد والانحطاط والفعل كمنع وسمع أو إذا خاطبت قلت: تعست كمنع وإذا حكيت قلت: تعس كسمع، ويقال: تعسه الله تعالى وأتعسه ورجل تاعس وتعس، وانتصابه على المصدر بفعل من لفظه يجب إضماره لأنه للدعاء كسقيا ورعيًا فيجري مجرى الأمثال إذا قصد به ذلك، والجار والمجرور بعده متعلق قدر للتبيين عند كثير أي أعني له مثلًا فنحو تعسًا له جملتان.وذهب الكوفيون إلى أنه كلام واحد، ولابن هشام في هذا الجار مذكور في بحث لام التبيين فلينظر هناك.واختلفت العبارات في تفسير ما في الآية الكريمة، فقال ابن عباس: أي بعدًا لهم. وابن جريج. والسدي أي حزنًا لهم، والحسن أي شتمًا لهم، وابن زيد أي شقاء لهم، والضحاك أي رغمًا لهم، وحكى النقاش تفسيره بقبحا لهم، وقال غير واحد: أي عثورًا وانحطاطًا لهم، وما ألطف ذكر ذلك في حقهم بعد ذكر تثبيت الاقدام في حق المؤمنين، وفي رواية عن ابن عباس يريد في الدنيا القتل وفي الآخرة التردي في النار، وأكثر الأقوال ترجع إلى الدعاء عليهم بالهلاك.وجوز الزمخشري في إعرابه وجهين. الأول: كونه مفعولًا مطلقًا لفعل محذوف كما تقدم. والثاني: مفعولًا به لمحذوف أي فقضى تعسًا لهم، وقدر على الأول القول أي فقال: تعسًا لهم، والذي دعاه لذلك على ما قيل جعل {الذين} مبتدأ والجملة المقرونة بالفاء خبرًا له وهي لانشاء الدعاء والإنشاء لا يقع خبرًا بدون تأويل، فأما أن يقدر معها قول أو تجعل خبرًا بتقدير قضى، وجعل قوله تعالى: {وَأَضَلَّ أعمالهم} عطفًا على ما قدر.وفي الكشف المراد من قال: تعسًا لهم أهلكهم الله لا أن ثم دعاء وقولًا، وذلك لأنه لا يدعي على شخص إلا وهو مستحق له فإذا أخبر تعالى أنه يدعو عليه دل على تحقق الهلاك لاسيما وظاهر اللفظ أن الدعاء منه عز وجل، وهذا مجاز على مجاز أعني أن القول مجاز وكذلك الدعاء بالتعس، ولم يجعل العطف على {تعسًا} لأنه دعاء، و{الله أَضَلَّ} أخبار، ولو جعل دعاء أيضًا عطفًا على {تعسًا} على التجوز المذكور لكان له وجه انتهى.وأنت تعلم أن اعتبار ما اعتبره الزمخشري ليس لأجل أمر العطف فقط بل لأجل أمر الخبرية أيضًا، فإن قيل بصحة الاخبار بالجملة الإنشائية من غير تأويل استغنى عما قاله بالكلية، ودخلت الفاء في خبر الموصول لتضمنه معنى الشرط.وجوز أن يكون الموصول في محل نصب على المفعولية لفعل مقدر يفسره الناصب لتعسًا أي اتعس الله الذين كفروا أو تعس الله الذي كفروا تعسًا لما سمعت عن القاموس وقد حكى أيضًا عن أبي عبيدة، والفاء زائدة في الكلام كما في قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبّرْ} [المدثر: 3] ويزيدها العرب في مثل ذلك على توهم الشرط، وقيل: يقدر الفعل مضارعًا معطوفًا على قوله تعالى: {يُثَبّتُ} [محمد: 7] أي ويتعس الذين إلخ. والفاء للعطف فالمراد اتعاس بعد اتعاس، ونظيره قوله تعالى: {وإياى فارهبون} [البقرة: 40] أو لأن حق المفسر أن يذكر عقب المفسر كالتفصيل بعد الاجمال، وفيه مقال. .تفسير الآية رقم (9): {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)}{ذلك} أي ما ذكر من التعس والإضلال {بِأَنَّهُمْ} بسبب أنهم {كَرِهُواْ مَا أَنزَلَ الله} من القرآن لما فيه من التوحيد وسائر الأحكام المخالفة لما ألفوه واشتهته أنفسهم الأمارة بالسوء، وهذا تخصيص وتصريح بسببية الكفر بالقرآن للتعس والإضلال إذ قد علم من قوله تعالى: {والذين كَفَرُواْ} [محمد: 8] إلخ سببية مطلق الكفر الداخل فيه الكفر بالقرآن دخولًا أوليًا لذلك {فَأَحْبَطَ} لأجل ذلك {أعمالهم} التي لو كانوا عملوها مع الايمان لأثيبوا عليها، وذكر الاحباط مع ذكر الإضلال المراد هو منه إشعارًا بأنه يلزم الكفر بالقرآن ولا ينفك عنه بحال..تفسير الآية رقم (10): {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10)}{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض} أي أقعدوا في أماكنهم فلم يسيروا فيها {فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} من الأمم المكذبة فإن آثار ديارهم تنبئ عن أخبارهم، وقوله تعالى: {دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} استئناف بياني كأنه قيل: كيف كانت عاقبتهم؟ فقيل: أهلك ما يختص بهم من النفس والأهل والمال يقال دمره أهلكه ودمر عليه أهلك ما يختص به فدمر عليه أبلغ من دمره، وجاءت المبالغة من حذف المفعول وجعله نسيامنسيًا والاتيان بكلمة الاستعلاء وهي لتضمن التدمير معنى الإيقاع أو الهجوم أو نحوه {وللكافرين} أي لهؤلاء الكافرين السائرين سيرتهم {أمثالها} أمثال عاقبتهم أو عقوبتهم لدلالة ما سبق عليها لكن لا على أن لهؤلاء أمثال ما لأولئك وأضعافه بل مثله، وإنما جمع باعتبار مماثلته لعواقب متعددة حسب تعدد الأمم المعذبة، وقيل: يجوز أن يكون عذابهم أشد من عذاب الأولين وقد قتلوا وأسروا بأيدي من كانوا يستخفونهم ويستضعفونهم، والقتل بيد المثل أشد من الهلاك بسبب عام، وقيل: المراد بالكافرين المتقدمون بطريق الظاهر موضع الضمير كأنه قيل: دمر الله تعالى عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة أمثالها..تفسير الآية رقم (11): {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)}{ذلك} إشارة إلى ثبوت أمثال عاقبة أو عقوبة الأمم السالفة لهؤلاء، وقيل: إشارة إلى النصر وهو كما ترى {بِأَنَّ الله مَوْلَى الذين ءامَنُواْ} أي ناصرهم على أعدائهم، وقرئ {وَلِيُّ الذين ءامَنُواْ} {وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ} فيدفع ما حل بهم من العقوبة والعذاب، ولا يناقض هذا قوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله مولاهم الحق} [الأنعام: 62] لأن المولى هناك عنى المالك فلم يتوارد النفي والإثبات على معنى واحد..تفسير الآية رقم (12): {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)}{إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار} بيان لحكم ولايته تعالى لهم وثمرتها الأخروية {والذين كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ} أي ينتفعون تاع الدنيا أيامًا قلائل {وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الانعام} الكاف في موضع نصب إما على الحال من ضمير المصدر كما يقول سيبويه أي يأكلونه أي الأكل مشبهًا أكل الأنعام، وإما على أنه نعت لمصدر محذوف كما يقول أكثر المعربين أي أكلًا مثل أكل الأنعام، والمعنى أن أكلهم مجرد من الفكر والنظر كما تقول للجاهل تعيش كما تعيش البهيمة لا تريد التشبيه في مطلق العيش ولكن في خواصه ولوازمه، وحاصله أنهم يأكلون غافلين عن عواقبهم ومنتهى أمورهم، وقوله تعالى: {والنار مَثْوًى لَّهُمْ} أي موضع إقامة لهم، حال مقدر من واو {يَأْكُلُونَ}.وجوز أن يكون استئنافًا وكان قوله تعالى: {يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ} في مقابلة قوله سبحانه: {وَعَمِلُواْ الصالحات} لما فيه من الايماء إلى أنهم عرفوا أن نعيم الدنيا خيال باطل وظل زائل، فتركوا الشهوات وتفرغوا للصالحات، فكان عاقبتهم النعيم المقيم في مقام كريم وهؤلاء غفلوا عن ذلك فرتعوا في دمنهم كالبهائم حتى ساقهم الخذلان إلى مقرهم من درك النيران، وهذا ما ذكره العلامة الطيبي في بيان التقابل بين الآيتين، وقال بعض الأجلة: في الكلام احتباك وذلك أنه ذكر الأعمال الصالحة ودخول الجنة أولًا دليلًا على حذف الأعمال الفاسدة ودخول النار ثانيًا وذكر التمتع والمثوى ثانيًا دليلًا على حذف التقلل والمأوى أولًا والأول أحسن وأدق، وأسند إدخال الجنة إلى الله تعالى ولم يسلك نحو هذا المسلك في قوله تعالى: {والنار مَثْوًى لَّهُمْ} وخولف بين الجملتين فعلية واسمية للإيذان بسبق الرحمة والإعلام صير المؤمنين والوعد بأن عاقبتهم أن الله سبحانه يدخلهم جنات وأن الكافرين مثواهم النار وهم الآن حاضرون فيها ولا يدرون وكالبهائم يأكلون.
|